الأربعاء، 10 يونيو 2015

الإختلاط وحكمه

حكم الاختلاط 


إن الدينَ الإسلاميَّ الحنيف بتوجيهاته السديدة وإرشاداته الحكيمة صان المرأةَ المسلمة ، وحفظَ لها شرفها وكرامتها، وتكفَّل لها بعزِّها وسعادتها وهيَّأ لها أسباب العيش الهنيء بعيداً عن مواطن الرِيَبِ والفتن والشر والفساد ، وهذا كله رحمةً من الله بعباده حيث أنزل لهم شريعته ناصحةً لهم ومُصلحةً لفسادهم ومقوِّمةً لاعوجاجهم ومتكفِّلةً بسعادتهم ؛ ومن ذلك ما شرعه الله تبارك وتعالى من التدابير الوقائية العظيمة والإجراءات العلاجية القويمة التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء ، وتعين على اجتناب الموبقات والبعد عن الفواحش المهلكات رحمةً منه بهم وصيانةً لأعراضهم وحمايةً لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .

وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))[1]  ، وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))[2].

ومن يتأمل التاريخ على طول مداه يجد ذلك ؛ فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلُّل الأخلاق وفساد القيم وفُشوا الجريمة هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال ، ومبالغتُها في الزينة والاختلاط ، وخَلوتُها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطُّرها .

والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال ، وليحميَها من التعرض للريبة والفحش ،  وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد ، وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف ، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة ، قال تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [3] ، وقال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [4]، وقال تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ …}[5] الآية ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [6] ، وقال تعالى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا } [7] .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ))[8].

وعن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أَنَّهَا جَاءَتْ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ، قَالَ : (( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي ))[9]. وعن أبى هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا))[10].

كل ذلك حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم ؛ وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه ، فكيف إذاً بالأمر في الأسواق والأماكن العامة ونحو ذلك ؟!

ولما دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاةٌ لها وقالت : يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت عائشة رضي الله عنها : (( لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت ومَررتِ؟! ))  قالت لها ذلك مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة ؛ فكيف الأمر بمن  تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها ؟! .

فهنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذا التوجيه الكريم والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }[11].

ثم إن الإسلام إنما حرَّم على المرأة ذلك ومنعها منه حمايةً لها وللمجتمع كلِّه من أن تنحلَّ أخلاقه وتتفكّك عُراه وتفشوَ فيه الجريمة ويعظمَ فيه الفساد . قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ” ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة ” انتهى كلامه رحمه الله .

وثمةَ أصل عظيمٌ لابد من التنبيه عليه ألا وهو : أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة أو غيرها محكمةٌ غاية الإحكام متقنةٌ غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خلل ولا ظلم فيها ولا زلل ، كيف وهي أحكام خير الحاكمين وتنزيل رب العالمين !! الحكيمُ في تدبيره ، البصيرُ بعباده ، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، ولهذا فإن من أعظم العدوان وأشد الإثم والهوان أن يقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها أن فيها ظلماً أو هضماً أو إجحافاً أو زللاً ، ومن قال ذلك أو شيئاً منه فما قدَر ربه حق قدره ولا وقَّره حق توقيره والله جلّ وعلا يقول : { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } [12]
أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه . والتوقير: التعظيم ؛ ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه وتُطاع أوامره ويُعتقد أن فيها السلامة والكمال والرفعة ، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار .

اللهم اشرح صدورنا لالتزام شرعك والتمسك بدينك ، وجنِّبنا اللهم الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن ، اللهم وأصلح نساء المسلمين وبناتهم.

تم النقل بدون تعديل من موقع الدعوة السلفية بالمملكة المغربية 
نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتهم وحسناتنا إنه جواد كريم



[1] رواه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) .
[2] رواه مسلم (2742) .
[3] [الأحزاب:33]
[4] [الأحزاب:53]
[5] [النور:31]
[6] [الأحزاب:59]
[7] [الأحزاب:32]
[8] رواه الترمذي (1173) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (936) .
[9] رواه أحمد (6/371) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (340) .
[10] رواه مسلم (440) .
[11] [النساء:27]
[12] [نوح:13]

مطوية: فوائد وأحكام من أحدا عشر حديث في حكم الخروج على الحكام

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فهذه مطوية قمنا بإختيارها لكم من موقع الدعوة السلفية بالمغرب


مطوية: فوائد وأحكام

من أحدا عشر حديث في

حكم الخروج على الحكام


لمفتي الجنوب العلامة:
أحمد بن يحيى النجمي
– رحمه الله –
يمكنكم التحميل من الرابط الذي توجد به نسختين نسخة ملون و أخرى غير ملونة

الألباني رحمه الله : إمام كبير في السلفية والسنة ومحاربة البدع

الألباني – رحمه الله –

إمام كبير في السلفية والسنة ومحاربة البدع




قال العلامة المحدث: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله -:

إن الشيخ الألباني – رحمه الله – إمامًا كبيرًا في السلفية والسنة، ومحاربة البدع، وقدم جهودا عظيمة لهذه الأمة، تعجز أن تقوم بها الدول، وقد أنشأت الدول مشروعات لخدمة السنة، وعجزت أن تلحق بهذا الرجل – الذي هيئه الله لتجديد الدين في هذا العصر –


وكان مع شيوخ السلفية، وعلى رأسهم: الشيخ ابن باز – على غاية من المحبة والتواد والتواصل – ولم يطعن بعضهم في بعض. ويزكي بعضهم بعضا، ويؤيد بعضهم بعضا، وكانت الأحزاب تتمسح به – لتكسب من وراءه جماعات، وجماعات وأشياء أخرة -ولما مات، كان هؤلاء ينسبون الشيخ الألباني إلى: الإرجاء !!


والشيخ الألباني معروف بمحاربة البدع، من كبيرها إلى صغيرها، ومن ألفها إلى يائها، و يؤلف الكتب في الصلاة -ويتعرض لبدع الصلاة – وفي الحج – ويتعرض لبدع الحج – وفي الجنائز – ويتعرض لبدع الجنائز – ويفند هذه البدع ويحاربها أشد الحرب. وحارب الفرق وانحرافاتها من: الجهمية والمعتزلة والخوارج والمرجئة.


وحارب الإرجاء – بالأخص – محاربة لا هوادة فيها، ولم يجامل فيها لا طحاوي، ولا ابن أبي العز السلفي – رحمه الله –

وهذه كتبته وأشرطته تنضح بمحاربة هذا المذهب الفاسد، كما حارب البدع الأخرى. ولما مات الألباني، وثب القطبيون – الذين جندوا أنفسهم لمحاربة المنهج السلفي ومن يرفع رايته -، القطبيون: أتباع سيد قطب، الذي يقول:


  • بالحلول

  • وبوحدة الوجود

  • ورفع راية الرفض

  • وراية الخروج والفتن والدماء، التي الآن في العالم الإسلامي – والمشاكل تنبثق من منهج هذا الرجل –

قام هؤلاء انتصاراً له يطعنون في إمام أهل السنة، ويرمونه بالإرجاء – على أنَّ سيد قطب – عنده كل هذه البدع وما هو أسوء منها كالقول بالحلول ووحدة الوجود والجبر – الذي هو أخبث من الإرجاء بمراحل ومراحل – ولم ينتقدوه. ويستميتون في الذب عنه، ولا يقبلون من أحد أن ينتقده.


أرأيتم إن كان هؤلاء يحبون الحق، و ينتصرون له، أيدافعون عن سيد قطب ؟ ويحاربون من أجله، ثم يذهبون إلى إمام السنة يرمونه: بالإرجاء.


هؤلاء: أهل الأهواء، أثاروا الفتن.


المشايخ في الرياض: الفوزان، والمفتي – من أئمة السلفية – وهم إخوان الألباني والجميع، يتفقون في: محاربة الإرجاء.


وكلهم يقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد وأن الإيمان يزيد وينقص – يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية – وليسوا كالمرجئة – والمرجئة الآن يملئون الأرض –


لماذا ما حارب هؤلاء المرجئة؟ الذين: “يخرجون العمل من الإيمان” ويقولون: “إنه لا يزيد ولا ينقص” ويقولون: “إن إيمان أفسق الناس وأفجرهم مثل إيمان جبريلوهذا كله مما يحاربه الألباني وتلاميذه.


وذهبوا: – المرجئة، الإرجاء، المرجئة – كل هذا دجل وكذب.


الهدف منه: تفريق السلفيين، وضرب بعضهم ببعض، ونصرة منهج: سيد قطب. الذي يعتبر – يعني –: من أخطر المناهج.


منهج ضم كل أصول الفساد وأصول الضلال.


  • فقد رفع راية الخروج وأصولها

  • وراية الجبر وراية التصوف

  • وراية المعتزلة

  • وراية الروافض

و ما ترك أصلاً من أصول السنة إلا و دمره وأقام على أنقاضه هذه الأصول الفاسدة.


ومع ذلك هو مقدس ومنهجه مقدس عندهم، وكتبه مقدسة، فإياكم ثم إياكم – إن كنتم تريدون الله والدار الآخرة ونصرة الإسلام – أن تنطلي عليكم ألاعيب هؤلاء و خدعهم، والله ما ينصورن الحق والله لقد وضعوا المناهج لمحاربة أهل السنة.


  • كمنهج الموازنات والمشاكل الأخرى

  • والقواعد الفاسدة التي: تؤيد الباطل وتحمي أهله وتؤيد البدع و تحميها وأهلها وتناهض منهج أهل السنة والجماعة

ولقد اخترعوا من البدع والأصول الفاسدة، ما لم يخطر ببال أشد الفرق بعدا عن الإسلام وعتوا في الضلال.

فانتبهوا لهؤلاء والله ما يركضون لنصرة الإسلام ولو ركضوا لنصرة الإسلام ما فعلوا هذه الأفاعيل بارك الله فيكم.


فالألباني ليس بمرجئ، وإخوانه في الرياض – وفي غيرها – من السلفيين – في العالم -كلهم منهجهم واحد – ضد البدع كلها  بما فيها الإرجاء -.


و قد بينت لكم أن الألباني مع أهل السنة والجماعة في: “أن الإيمان قول وعمل و اعتقاد يزيد الطاعة وينقص بالمعصية إلى آخر …” ما يتصل بهذا الأصل الذي قلت لكم و ما ينافيه.


فكيف يعد مرجئا ؟!! كيف يعد مرجئا ؟


ما هو إلا الافتراء والكذب والانتصار للباطل وأهله

فحاذر حذار أن تنخدعوا بهؤلاء.

تم النقل من موقع الدعوة السلفية بالمغرب

الأحد، 24 مايو 2015

البردة و الهمزية و بيان ما فيها من الغلو و الشرك (يوجد مقطع بالأمازيغية)


باسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم

أما بعد



فهذا بيان موقف العلماء من قصيدتي البردة و الهمزية

أولا : المقال (مأخوذ من موقع الدرر السنية)

يقول الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رداً على كلام الشيخ حسين أحمد المدني السابق ما نصه:

"وأما قراءة "دلائل الخيرات" وقصيدتي "البردة" و"الهمزية"، وجعلها ورداً؛ فهو أمر قبيح جدًّا؛ لما في هذه الثلاث من الغلو والإطراء الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه ويشدد فيه، بل إن قصيدتي "البردة" و"الهمزية" قد اشتملتا على الشرك الأكبر، الذي هو أعظم الظلم وأقبح المنكرات وأشد المحرمات تحريماً، فلا يجعل هاتين القصيدتين و"دلائل الخيرات" ورداً إلا من هو مفتون بالشرك والبدع والغلو والإطراء.
وقد قال الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في الرد على حسين أحمد: "أما دلائل الجهالات والضلالات الذي سميته "دلائل الخيرات"؛ ففيه ضلالات كثيرة:
منها قوله في ثلاثة مواضع: "اللهم صل على سيدنا محمد عدد معلوماتك وأضعاف ذلك".
وقوله: "اللهم صل على سيدنا محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء".
وقوله: "اللهم ارحم سيدنا محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء، اللهم بارك على سيدنا محمد حتى لا يبقى من البركة شيء".
فجعل معلومات الله معلومات محدودة، وعدل عن الصلاة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم جميع المسلمين، واقتصر عليها أصحابه والتابعون لهم بإحسان، وأحدث بدعة، وألف كتاباً يتلى كما يتلى القرآن، وابتدع زيادة: "سيدنا".
ولله درُّ الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني إذ يقول في مدح شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب:
وحرق عمدا للدلائل دفتراً أصاب ففيها ما يجل عن العد
علو نهى عنه الرسول وفرية بلا مرة فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تغزي إلى عالم فلا    تساوي فليسا إن رجعت إلى النقد
وصيرها الجهال للذكر ضرة ترى درسها أزكى لديهم من الحمد
لقد سرني ما جاءني من طريقه وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي

قال الهلالي: "وأما "البردة" و"الهمزية"؛ ففيها من الشرك والضلال ما لا يرتضيه إلا كل مشرك دجال؛ فمنها قوله:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

وقوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

فماذا بقي لله تعالى؟! قاتل الله الغلاة المشركين.
وفي "الهمزية" قوله:

يا رحيما بالمؤمنين إذا ما      ذهلت عن أبنائها الرحماء
يا شفيعا في المذنبين إذا أشفـ      ـق من خوف ذنبه البرآء
جد لعاص وما سواي هو الـ ـعاصي         ولكن تنكري استحياء
وتداركه بالعناية ما دام له        بالذمام منك ذماء

وهذا شرك صريح وبهتان قبيح، لا يستسيغه إلا كل قلب مريض؛ مثل قلب حسين أحمد نصير الشرك والوثنية" انتهى.
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد): "وقد اشتهر في نظم البوصيري قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به   سواك عند حلول الحادث العمم

وما بعده من الأبيات التي مضمونها إخلاص الدعاء واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات وأعظم الاضطرار لغير الله، فناقضوا الرسول صلى الله عليه وسلم بارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقضة، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة، وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وأظهر لهم التوحيد والإخلاص الذي بعثه الله به في قالب تنقيصه، وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون، أفرطوا في تعظيمه بما نهاهم عنه أشد النهي، وفرطوا في متابعته فلم يعبؤوا بأقواله وأفعاله، ولا رضوا بحكمه، ولا سلموا له، وإنما يحصل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بتعظيم أمره ونهيه، والاهتداء بهديه، واتباع سنته والدعوة إلى دينه الذي دعا إليه، ونصرته، وموالاة من عمل به، ومعاداة من خالفه، فعكس أولئك المشركون ما أراد الله ورسوله علماً وعملاً، وارتكبوا ما نهى الله عنه ورسوله؛ فالله المستعان" انتهى كلامه رحمه الله.
وذكر الشيخ سليمان بن عبدالله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد) قول البوصيري:

إن من جودك الدنيا وضرتها      ومن علومك علم اللوح والقلم

ثم قال "فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وكل ذلك كفر صريح!
ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته عليه السلام وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين، لابد أن يمزج الحق بالباطل؛ ليروج على أشباه الأنعام، أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق".
إلى أن قال: "وبالجملة؛ فالتعظيم النافع هو: التصديق بما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده، والرضى بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله، فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم؛ قبله، وما خالفها؛ رده، أو تأوله، أو أعرض عنه" انتهى.

من موقع الدرر السنية

ثانيا : صوتيا 


تنبيه : يوجد مقطع صوتي بالأمازيغية للمتحدثين بها

الشيخ العلامة ابن عثيمين




الشيخ العلامة ابن باز




الأستاذ أبو هاجر (المقطع بالأمازيغية)




وفي الختام نسأل الله التوفيق السداد
وما كان من صواب فمن الله جل جلاله وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني و الشيطان
و السلام عليكم

الأحد، 17 مايو 2015

الولاء والبراء من أصول عقيدتنا

الولاء والبراء من أصول عقيدتنا



قرأت في جريدة «الرياض» العدد ١٤٩٢٧ وتاريخ ١٢/٥/١٤٣٠ه مقالاً بعنوان: [كن فأر تجارب] للكاتب ممدوح المهيني شبه فيه الطفل المسلم الذي يدرس عقيدة الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين كما ورد في الكتاب والسنة شبهه بالفأر الذي تجرى عليه التجارب الطبية، وهذا استهانة بهذه العقيدة القرآنية واستهانة بأطفال المسلمين واستهانة بعلماء المسلمين الذين يدرسون هذه العقيدة ويرسخونها في قلوب أبناء المسلمين.
وقال الكاتب: لكي تحمي طفلك من أن يكون فأراً سيئاً مثلك إذا كبر يجب أن نتعلم كيف يُبدأ بتحميل روح الصغير عبء كراهية العالم من حولنا. ومن المثير أن هذه الكراهية لا تنبع على مستوى دنيوي فقط بل هي آتية كما يتم إقناعك من السماء وهذا غير صحيح بالطبع - كذا قال الكاتب: وأقول له ان عقيدة الولاء والبراء جاءت من السماء من عند الله وأطفال المسلمين لا يحملون كراهية العالم عموماً وإنما يحملون كراهية أعداء الله وأعداء المسلمين من الكفار - كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ثم قال الكاتب إنك إذا علمت طفلك هذه العقيدة غرست في روحه أول بذرة السوء انظر كيف وصف الكاتب غرس عقيدة الولاء والبراء الواردة في الكتاب والسنة بأنها بذرة سوء.
ثم قال: لقد كانت المدرسة منذ البداية وحتى النهاية سبباً في صنع مثل هذه الروح السيئة - ويعني الكاتب بالروح السيئة روح الولاء والبراء - ثم قال: وبخلاف كل الهراء الذي نسمعه الآن أن المدرسة تعلم الأخلاق الحسنة فهذا غير صحيح فالكاتب يعتبر تعلم عقيدة الولاء والبراء في الإسلام تعليماً للأخلاق السيئة وليس تعليما للأخلاق الحسنة وهو ينطبق عليه قول الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد                 وينكر الفم طعم الماء من سقم
ثم قال الكاتب: بالإضافة إلى دور المدرسين الأفاضل يشحن الأطفال الصغار بكراهية العالم وشطر عقولهم وأرواحهم هي أيضاً سبب رئيسي بتحويلهم إلى فئران خائفة لا تعرف الاعتراض والنقد والسؤال والحوار خشية أن تتعرض للتعثر. وأقول انظر أيها القارئ الكريم كيف شبه الكاتب الطلاب الذين يتلقون عقيدتهم من القرآن والسنة وفيها الولاء والبراء شبههم بالفئران المفسدة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم انها من الفواسق التي تقتل في الحل والحرم - ثم طالب الكاتب في آخر مقاله بأن يعلم الطفل بدل أن يعلم الولاء والبراء يعلم قيم التسامح والحب للجميع - يعني حب المؤمنين والكفار من غير فرق وستشرق روحه فالكاتب يعتبر تعليم الولاء والبراء الذي يفرق به بين المؤمن والكافر وبين ولي الله وعدو الله يعتبر ذلك ظلمة في عقلية الطفل - وأقول سبحان مقلب القلوب القائل في كتابه الكريم: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) هذا وليعلم الكاتب وغيره أن التسامح مع الكفار والمشركين ليس معناه ترك عقيدتنا أو ترك شيء من ديننا إرضاء للكفار. وإنما معناه كف الأذى والعدوان وبذل النصح لبني الإنسان والوفاء بالعهود واحترام دم المعاهد والمستأمن من الكفار والتعامل معهم بما أباح الله من البيع والشراء والمعاملات التجارية والطلاب في المدارس يدرسون هذه المسائل وغيرها ولا يقتصر تدريسهم على مسألة الولاء والبراء كما يتصور الكاتب أو يتجاهل بل يربى الطلاب على الأخلاق الحميدة والسلوك الحسن وإنزال الناس منازلهم حتى يتسلحوا بالعلم النافع والعمل الصالح ليكونوا خير أمة خرجت للناس كما أمرهم الله بذلك يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله ليكونوا صالحين مصلحين لا فئراناً مفسدين، فالفأر المفسد في الحقيقة هو الذي يموع العقيدة ويدعو إلى ضدها. وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء

مأخوذ من موقع العلامة صالح بن فوزان الفوزان

الادلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب تغطية الوجه

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فهذامقطع فيديو لفضيلة العلامة الفقيه صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله بتحدث فيه و يبين الأدلة على وجوب تغطية الوجه للنساء


السبت، 16 مايو 2015

وجوب إعفاء اللحى والأدلة على ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المأثورة عنه هي أقواله وأفعاله وتقريراته، وقد اجتمعت هذه الأمور الثلاثة في إعفاء اللحى؛ حيث جاء إعفاؤها من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره لغيره على ذلك، واللحية في اللغة ما نبت على الخدين والذقن، قال في القاموس المحيط: «اللحية بالكسر شعر الخدين والذقن».

فأما قوله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيحين الأمر منه صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى بصيغ متعددة، منها الإعفاء وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى» رواه البخاري (5893) ومسلم (600) واللفظ له عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومنها التوفير وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب» رواه البخاري (5892) عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومنها الإيفاء وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوراب وأوفوا اللحى» رواه مسلم (602) عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومنها الإرخاء وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «أحفوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس» رواه مسلم (603) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا الأمر في هذه الأحاديث بالإعفاء والتوفير والإيفاء والإرخاء يدل على وجوب إعفاء اللحى وألا يتعرض لها بحلق أو تقصير، وأن في ذلك مخالفة للكفار، ومن أقواله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما رواه البخاري (5858) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»، فهذا الحديث يدل بعمومه على أن حلق الرجال اللحى فيه تشبه بالنساء والله عز وجل لما خلق الناس ميز بين الذكر والأنثى فجعل جمال النساء في خلو وجوههن من الشعر، وجعل جمال الرجال في اللحى التي هي العلامة الحسية المشاهدة في الفرق بين الرجال والنساء.

وأما فعله صلى الله عليه وسلم فقد كان معفياً لحيته صلى الله عليه وسلم ولم يثبت أنه كان يأخذ منها شيئاً، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون على قراءته في الصلوات السرية وهم يصلون وراءه برؤيتهم اضطراب لحيته بسبب القراءة، فقد أخرج البخاري (746) في باب رفع البصر إلى الإمام عن أبي معمر قال: قلنا لخباب: «أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال نعم، قلنا: بم كنتم تعرفون ذلك؟ قال باضطراب لحيته»، وأما الحديث الذي أخرجه الترمذي (2762) عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها» فهو حديث ضعيف؛ في إسناده عمر بن هارون البلخي، قال عنه الحافظ في التقريب: «متروك»، وجاء في ترجمته وصف بعض العلماء له بالكذب ولهذا حكم عليه الشيخ الألباني بأنه موضوع كما في: «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (288).

وأما تقريراته فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معفين لحاهم اقتداء به في قوله وفعله صلى الله عليه وسلم وكان يراهم ويقرهم على ذلك، وقد ذكر شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (4/630) في تفسير سورة طه عند ذكر موسى وهارون دلالة القرآن على إعفاء اللحى وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم وقال: «وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة، والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها ليس فيهم حالق، ونرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه»، وقال شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في منسكه: «وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء، ولاسيما من ينتسب إلى العلم والتعليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون»!

وما جاء في الأحاديث السابقة من الأمر بالإعفاء والتوفير والإيفاء والإرخاء بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله وأنه لم يكن يأخذ من لحيته شيئاً، وأما ما جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم من أخذ ما زاد على القبضة منها كما جاء في صحيح البخاري (5892) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين، ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه»، فإن الأخذ بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على الأخذ بما جاء عن ابن عمر وغيره ممن يصح عنه ذلك من الصحابة.

ولو أن بعض الناس في هذا الزمان من طلبة العلم وغيرهم اكتفوا بأخذ ما زاد على القبضة لكان الأمر أهون، ومن المعلوم أن وجود اللحى بمقدار القبضة إبقاء لشعر كثير قد لا يُظن معه أنه أُخذ من اللحية شيء، ولكنَّ كثيراً من الناس ولاسيما بعض طلبة العلم يقصون لحاهم حتى لا يبقى منها إلا الشيء القليل جداً، ومثل ذلك لا يصدق عليه إعفاء وتوفير وإيفاء وإرخاء؛ فإن مثل هذا المقدار لا يقال لإبقائه إعفاء، ولا ينبغي لطالب علم أن يزعم أن وجود شيء من شعر اللحية ــ ولو كان قليلاً ــ إعفاء فيغتر بعض الناس بمثل هذا الكلام، ويُخشى عليه أن يلحقه من الإثم مثل آثام من اغتر بذلك، ولا يعالج الخطأ بتكلف ما يبرره ويهون من شأنه، وقد أحسن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عندما لامه أحد أصدقائه على حلق اللحية فقال كما في كتابه «مع الناس» (ص177): «أما حلق اللحية فلا والله لا أجمع على نفسي بين الفعل السيئ والقول السيئ، ولا أكتم الحق لأني مخالفه، ولا أكذب على الله ولا على الناس، وأنا أقر على نفسي أني مخطئ في هذا، ولقد حاولت مراراً أن أدع هذا الخطأ ولكن غلبتني شهوة النفس وقوة العادة، وأنا أسأل الله أن يعينني على نفسي حتى أطلقها، واسألوا الله ذلك لي؛ فإن دعاء المؤمن للمؤمن بظهر الغيب لا يرد إن شاء الله»، وقد علق في الحاشية فقال: «وقد أعانني فله الحمد».

وأما الشوارب فجاء الأمر منه صلى الله عليه وسلم بإحفائها وجزها كما تقدم، وبإنهاكها كما في صحيح البخاري (5893)، وبقصها كما في صحيح البخاري (5888)، والقص هو الأخذ بالمقص وفيه أخذ وترك، ولفظ الإنهاك يدل على المبالغة في الأخذ، وأقبح هيئة لوجه الرجل أن يطيل شاربه ويوفره ويحلق لحيته؛ لأن في ذلك جمعاً بين المعصيتين في الشوارب واللحى وهو تغيير للفطرة كما في صحيح مسلم (604) من حديث عائشة رضي الله عنها: «عشر من الفطرة ...» وذكر في أولها: «قص الشارب وإعفاء اللحية».

وأسأل الله أن يوفق المسلمين جميعاً في كل مكان للالتزام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأفعالهم، وأن يهديهم سبل السلام، إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جميع الحقوق محفوضة2015

تصميم : عبد المغيث موراض